فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

سورة المرسلات:
اختلف في معنى المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات على قولين: أحدهما: أنها الملائكة، والآخر: أنها الرياح. فعلى القول بأنها الملائكة سماهم المرسلات لأن الله تعالى يرسلهم بالوحي وغيره، وسماهم العاصفات لأنهم يعصفون كما تعصف الرياح في سرعة مضيهم إلى امتثال أمر الله تعالى، وسماهم ناشرات لأنهم ينشرون أجنحتهم في الجو، وينشرون الشرائع في الأرض، أو ينشرون صحائف الأعمال، وسماهم الفارقات لأنهم يفرقون بين الحق والباطل، وعلى القول بأنها الرياح، سماها المرسلات لقوله: {الله الذي يُرْسِلُ الرياح} [الروم: 48] وسماها الناشرات لأنها تنشر السحاب في الجو، ومنه قوله: {يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً} [الروم: 48] وسماها الفارقات لأنها تفرق بين الحساب ومنه قوله: {وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} [الروم: 48] وأما {فالملقيات ذِكْراً} فهم الملائكة لأنهم يلقون الذكر للأنبياء عليهم السلام، والأظهر في الملاسلات والعاصفات أنها الرياح لأن وصف الريح بالعصف حقيقة، والأظهر في الناشرات والفارقات أنها الملائكة لأن الوصف بالفارقات أليق بهم من الرياح، ولأن الملقيات المذكورة بعدها هي الملائكة ولم يقل أحد أنها الرياح، ولذلك عطف المتجانسين بالفاء فقال: {والمرسلات} {فالعاصفات} ثم عطف ما ليس من جنس بالواو فقال: {والناشرات}، ثم عطف عليه المتجانسين بالفاء، وقد قيل في المرسلات والملقيات أنهم الأنبياء عليهم السلام {عُرْفاً} معناه: فضلاً وإنعاماً، وانتصابه على أنه مفعول من أجله وقيل: معناه متتابعة وهو مصدر في موضع الحال وأما {عصفاً} و{نشراً} و{فرقاً} فمصادر، وأما {ذكراً} فمفعول به {عُذْراً أَوْ نُذْراً} العذر فسَّره ابن عطية وغيره بمعنى: إعذار الله إلى عباده لئلا تبقى لهم حجة أو عذر. وفسره الزمخشري بمعنى الاعتذار. يقال: عذر إذا محا الإساءة، وأما {نذراً} فمن الإنذار وهو التخويف، وقرأ الأعشى التميمي بضم الذال في الموضعين وبقية القراء بإسكانها، ويحتمل أن يكونا مصدَرين فيكون نصبهما على البدل من {ذكراً} أو مفعولاً بذكر، أو يحتمل أن يكون {عذراً} جمع عذير أو عاذر، و{نذراً} جمع نذير فيكون نصبهما على الحال {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} يعني البعث والجزاء وهو جواب القسم.
{فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} أي زال ضوؤها وقيل: محيت {وَإِذَا السماء فُرِجَتْ} أي انشقت {وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ} أي صارت غباراً {وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ} أي جعل لها وقت معلوم، فحان ذلك الوقت وجمعت للشهادة على الأمم يوم القيامة، وقرأ أبو عمرو {وُقِّتَتْ} بالواو وهو الأصل، والهمزة بدل من الواو {لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} هو الأجل كما أن التوقيت من الوقت، وفيه توقيف يراد به تعظيم لذلك اليوم، ثم بينه بقوله: {لِيَوْمِ الفصل} أي يفصل فيه بين العباد، ثم عظّمه بقوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} تكراره في هذه السورة قيل: إنه تأكيد وقيل: بل في كل آية ما يقتضي التصديق فجاء ويل يومئذ للمذكبين راجعاً إلى ما قبله في كل موضع منها.
{أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين} يعني الكفار المتقدمين، كقوم نوح وغيرهم {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين} يعني قريشاً وغيرهم من الكفار بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا وعيد لهم ظهر مصداقه يوم بدر وغيره {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} أي مثل هذا الفعل نفعل بكل مجرم يعني الكفار.
{أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ} يعني المني، والمهين الضعيف {فَجَعَلْنَاهُ فِي قرار مَّكِينٍ} يعني رحم المرأة {إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} يعني وقت الولادة، وهو معلوم عند تسعة أشهر، أو أقل منها أو أكثر {فَقَدَرْنَا} بالتشديد من التقدير وبالتخفيف من القدرة، فإذا كان من القدرة اتفق مع قوله: {فنعم القادرون}، وإذا كان من التقدير فهو تجنيس.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْواتاً} الكِفات من كفت إذا ضم وجمع. أنه مفعول بكِفاتاً لأن الكفات اسم لم يضم ويجمع، فكأنه قال: جامعة أحياء وأمواتاً ويجوز أن يكون المعنى: تكفتهم أحياء وأمواتاً. فيكون نصبهما على الحال من الضمير. وإنما نكَّر {أحياء وأمواتاً} للتفخيم ودلالة على كثرتهم {رَوَاسِيَ} يعني الجبال أي مرتفعات {شَامِخَاتٍ} {مَّاءً فُرَاتاً} أي حلوا.
{انطلقوا} خطاب للمكذبين وقرأ يعقوب فتح اللام على أنه فعل ماض ثم كرره لبيان المنطلق إليه {إلى ظِلٍّ} يعني دخان جهنم ومنه {ظل من يحموم} {ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} أي يتفرع من الدخان ثلاث شعب فتظلهم، بينما يكون المؤمنون في ظلال العرش، وقيل: إن هذه الآية في عَبَدَةِ الصليب لأنهم على ثلاثة شعب فيقال لهم انطلقوا إليه {لاَّ ظَلِيلٍ} نفى عنه أن يظلهم كما يظل العرشُ المؤمنين ونفى أيضاً أن يمنع عنهم اللهب {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقصر} الضيمر في إنها لجهنم والقصر واحد القصور، وهي الديار العظام، وشبه الشرر به في عظمته وارتفاعه في الهواء، وقيل: هو الغليظ من الشجر واحده قصرة كجمرة وجمر {كَأَنَّهُ جمالت صُفْرٌ} في الجمالات قولان أحدهما: أنها جمع جمال شبه بها الشرر وصُفر على ظاهره؛ لأن لون النار يضرب إلى الصفرة. وقيل: صفر هنا بمعنى سود يقال: حمل أصفر أي أسود. وهذا أليق بوصف جهنم. الثاني: أن الجمالات قطع النحاس الكبار، فكأنه مشتق من الجملة. وقرئ جمالات بضم الجيم وهي قلوس السفن وهي حبالها العظام.
{هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} هذا في مواطن، وقد يتكلمون في مواطن أخر لقوله: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} [النحل: 111].
{فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} تعجيز لهم وتعريض بكيدهم في الدنيا وتقريع عليه.
{كُلُواْ واشربوا} يقال لهم ذلك في الجنة بلسان الحال أو بلسان المقال: {هنيائا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} نصب هنيئاً على الحال أو على الدعاء.
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ} خطاب للكفار على وجه التهديد، تقديره: قل لهم كلوا وتمتعوا قليلاً في الدنيا.
{وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا لاَ يَرْكَعُونَ} هذا إخبار عن حال الكفار في الدنيا، وذكر الركوع عبارة عن الصلاة، وقيل: معنى اركعوا اخشعوا وتواضعوا. وقيل: هو إخبار عن حال المنافقين يوم القيامة لأنهم إذا قيل لهم: اركعوا لا يقدرون على الركوع كقوله: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السجود فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] والأول أشهر وأظهر.
{فَبِأَيِّ حديث بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} الضمير للقرآن. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة المرسلات:
مكية.
وآيها خمسون آية.
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والمرسلات عُرْفاً فالعاصفات عَصْفاً والناشرات نَشْراً فالفارقات فَرْقاً فالملقيات ذِكْراً}
إقسام بطوائف من الملائكة أرسلهن الله تعالى بأوامره متتابعة. فعصفن عصف الرياح في امتثال أمره، ونشرن الشرائع في الأرض، أو نشرن النفوس الموتى بالجهل بما أوحين من العلم، ففرقن بين الحق والباطل، فألقين إلى الأنبياء ذكراً عذراً للمحقين ونذراً للمبطلين، أو بآيات القرآن المرسلة بكل عرف إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فعصفن سائر الكتب والأديان بالنسخ ونشرن آثار الهدى والحكم في الشرق والغرب، وفرقن بين الحق والباطل فألقين ذكر الحق فيما بين العالمين. أو بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها فعصفن ما سوى الحق ونشرن أثر ذلك في جميع الأعضاء، ففرقن بين الحق بذاته والباطل في نفسه فيرون كل شيء هالكاً إلا وجهه، فألقين ذكراً بحيث لا يكون في القلوب والألسنة إلا ذكر الله تعالى. أو برياح عذاب أرسلن فعصفن، ورياح رحمة نشرن السحاب في الجو، ففرقن فألقين ذكراً أي تسببن له، فإن العاقل إذا شاهد هبوبها وآثارها ذكر الله تعالى وتذكر كمال قدرته، وعرفاً إما نقيض النكر وانتصابه على العلة أي أرسلن للإِحسان والمعروف، أو بمعنى المتتابعة من عرف الفرس وانتصابه على الحال.
{عُذْراً أَوْ نُذْراً} مصدران لعذر إذا محا الإِساءة وأنذر إذا خوف، أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الإِنذار، أو بمعنى العاذر والمنذر، ونصبهما على الأولين بالعلية أي {عُذْراً} للمحقين {أَوْ نُذْراً} للمبطلين، أو البدل من {ذِكْراً} على أن المراد به الوحي أو ما يعم التوحيد والشرك والإِيمان والكفر وعلى الثالث بالحالية، وقرأهما أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص بالتخفيف.
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لواقع} جواب القسم ومعناه أن الذي توعدونه من مجيء القيامة كائن لا محالة.
{فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} محقت أو أذهب نورها.
{وَإِذَا السماء فُرِجَتْ} صدعت.
{وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ} كالحب ينسف بالمنسف.
{وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ} عين لها وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على الأمم بحصوله، فإنه لا يتعين لهم قبله، أو بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره، وقرأ أبو عمرو {وقتت} على الأصل.
{لأَيّ يَوْمٍ أُجّلَتْ} أي يقال لأي يوم أخرت، وضرب الأجل للجمع وهو تعظيم لليوم وتعجيب من هوله، ويجوز أن يكون ثاني مفعولي {أُقّتَتْ} على أنه بمعنى أعلمت.
{لِيَوْمِ الفصل} بيان ليوم التأجيل.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} ومن أين تعلم كنهه ولم تر مثله.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} أي بذلك، و{وَيْلٌ} في الأصل مصدر منصوب بإضمار فعله عدل به إلى الرفع للدلالة على ثبات الهلك للمدعو عليه و{يَوْمَئِذٍ} ظرفه أو صفته.
{أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين} كقوم نوح وعاد وثمود، وقرئ: {نُهْلِكِ} من هلكه بمعنى أهلكه.
{ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين} أي {ثُمَّ} نحن {نُتْبِعُهُمُ} نظراءهم ككفار مكة، وقرئ بالجزم عطفاً على {نُهْلِكِ} فيكون {الآخرين} المتأخرين من المهلكين كقوم لوط وشعيب وموسى عليهم الصلاة والسلام.
{كذلك} مثل ذلك الفعل. {نَفْعَلُ بالمجرمين} بكل من أجرم.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بآيات الله وأنبيائه فليس تكريراً، وكذا إن أطلق التكذيب أو علق في الموضعين بواحد، لأن ال {وَيْلٌ} الأول لعذاب الآخرة وهذا للإِهلاك في الدنيا، مع أن التكرير للتوكيد حسن شائع في كلام العرب.
{أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ} نطفة مذرة ذليلة.
{فجعلناه في قرار مَّكِينٍ} هو الرحم.
{إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} إلى مقدار معلوم من الوقت قدره الله تعالى للولادة.
{فَقَدَرْنَا} على ذلك، أو فقدرناه ويدل عليه قراءة نافع والكسائي بالتشديد. {فَنِعْمَ القادرون} نحن. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بقدرتنا على ذلك أو على الإِعادة.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً} كافتة اسم لما يكفت أي يضم ويجمع كالضمام والجماع اسم لما يضم ويجمع، أو مصدر نعت به أو جمع كافت كصائم وصيام، أو كفت وهو الوعاء أجرى على الأرض باعتبار أقطارها.
{أَحْيَاءً وأمواتا} منتصبان على المفعولية وتنكيرهما للتفخيم، أو لأن أحياء الإِنس وأمواتهم بعض الأحياء والأموات، أو الحالية من مفعوله المحذوف للعلم به وهو الإِنس، أو بنجعل على المفعولية و{كِفَاتاً} حال أو الحالية فيكون المعنى بالأحياء ما ينبت وبالأموات ما لا ينبت.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شامخات} جبالاً ثوابت طوالاً والتنكير للتفخيم، أو الإِشعار بأن فيها ما لم يعرف ولم ير {وأسقيناكم مَّاء فُرَاتاً} بخلق الأنهار والمنابع فيها.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بأمثال هذه النعم.
{انطلقوا} أي يقال لهم انطلقوا. {إلى مَا كُنتُمْ به تُكَذّبُونَ} من العذاب.
{انطلقوا} خصوصاً وعن يعقوب {انطلقوا} على الإِخبار عن امتثالهم للأمر اضطراراً. {إلى ظِلّ} يعني ظل دخان جهنم كقوله تعالى: {وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} {ذِى ثلاث شُعَبٍ} يتشعب لعظمه كما ترى الدخان العظيم يتفرق. تفرق الذوائب، وخصوصية الثلاث إما لأن حجاب النفس عن أنوار القدس الحس والخيال والوهم، أو لأن المؤدي إلى هذا العذاب هو القوة الواهمة الحالية في الدماغ والغضبية التي في يمين القلب والشهوية التي في يساره، ولذلك قيل شعبة تقف فوق الكافر وشعبة عن يمينه وشعبة عن يساره.
{لاَّ ظَلِيلٍ} تهكم بهم ورد لما أوهم لفظ ال {ظِلّ}. {وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب} وغير مغن عنهم من حر اللهب شيئاً.
{إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كالقصر} أي كل شرارة {كالقصر} في عظمها، ويؤيده أنه قرئ: {بشرار}، وقيل هو جمع قصرة وهي الشجرة الغليظة، وقرئ {كالقصر} بمعنى القصور كرهن ورهن و{كالقصر} جمع قصرة كحاجة وحوج، و{كالقصر} جمع قصرة وهي أصل العنق والهاء للشعب.
{كَأَنَّهُ جَمَالاتٌ} جمع جمال أو جمالة جمع جمل. {صُفْرٌ} فإن الشرار بما فيه من النارية يكون أصفر، وقيل سود لأن سواد الإِبل يضرب إلى الصفرة، والأول تشبيه في العظم وهذا في اللون والكثرة والتتابع والاختلاط وسرعة الحركة، وقرأ حمزة والكسائي وحفص {جمالة} وعن يعقوب {جُمَالاَتٌ} بالضم جمع جُمالة، وقد قرئ بها وهي الحبل الغليظ من حبال السفينة شبهه بها في امتداده والتفافه.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} أي بما يستحق فإن النطق بما لا ينفع كلا نطق، أو بشيء من فرط الدهشة والحيرة وهذا في بعض المواقف، وقرئ بنصب ال {يَوْمَ} أي هذا الذي ذكر واقع يومئذ.
{وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} عطف {فَيَعْتَذِرُونَ} على {يُؤْذَنَ} ليدل على نفي الإِذن والاعتذار عقيبه مطلقاً، ولو جعله جواباً لدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الإذن فأوهم ذلك أن لهم عذراً لكن لا يؤذن لهم فيه.
{هذا يَوْمُ الفصل} بين المحق والمبطل. {جمعناكم والأولين} تقرير وبيان للفصل.
{فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا وإظهار لعجزهم.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} إذ لا حيلة لهم في التخلص من العذاب.
{إِنَّ المتقين} عن الشرك لأنهم في مقابلة المكذبين. {فِى ظلال وَعُيُونٍ}.
{وفواكه مِمَّا يَشْتَهُونَ} مستقرون في أنواع الترفه.
{كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي مقولاً لهم ذلك.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} في العقيدة.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يمحض لهم العذاب المخلد ولخصومهم الثواب المؤبد.
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} حال من المكذبين أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك، تذكيراً لهم بحالهم في الدنيا وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم المقيم.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيث عرضوا أنفسهم للعذاب الدائم بالتمتع القليل.
{وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا} أطيعوا وأخضعوا أو صلوا أو اركعوا في الصلاة. إذ روي: أنه نزل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيفاً بالصلاة فقالوا: لا نجبي أي لا نركع فإنها مسبة. وقيل هو يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون. {لاَ يَرْكَعُونَ} لا يمتثلون واستدل به على أن الأمر للوجوب وأن الكفار مخاطبون بالفروع.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ فَبِأَيّ حديث بَعْدَهُ} بعد القرآن. {يُؤْمِنُونَ} إذا لم يؤمنوا به وهو معجز في ذاته مشتمل على الحجج الواضحة والمعاني الشريفة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والمرسلات كتب له أنه ليس من المشركين». (1) اهـ.